بسم الله الرحمن الرحيم
خير خلق الله كلهم (صلى الله عليه وسلم)
إنه الحبيب المصطفى الذي اصطفاه الله على رسله الأخيار وعلى العالمين إنه الرحمة المهداة لكافة المخلوقات , به ختمت الرسالات وبه اكتملت الأخلاق والقيم , بمولده أشرقت الأرض واستبشرت فرجا قريبا وببعثته اتزن الكون وانجلى سواد ظلامه ليشع النور أرجاء المعمور من مكنون نوره التي أضاءت له الآفاق ترحاب بهيجا .
إنه حبيب الله الذي تكفل الله بتأديبه وأحاطه بحفظه ورعايته فنشأ طاهرا نقيا صادقا تقيا أمينا وفيا فجمعت له محامد الأخلاق وأتم القيم السامية وأزكى الشيم , إنه أندى المخلوقات نفسا وأطهرهم قلبا وكيف لا وهو الذي شق صدره وأخرج قلبه وغسل في إناء من الجنة ونزع منه ما يحظى به الشيطان من قلب كل إنسان فلم يعد للشيطان حظ من رسول الله , لقد تعهده الله بالتربية والرعاية فترعرع زكي النفس ناضج العقل فتنزهت نفسه عن رذائل الجاهلية ورجح عقله عن مفاسد التبعية مما كان يعتقد قومه من إشراك الله في الألوهية فتنحى عنهم بمنء بعيد وحببت له الخلوة عن مخالطة الضلال والفساد فأخلص العبودية لله على ملة أبيه إبراهيم عليه السلام .
محمد رسول الله الذي شهدت برسالته الطير والشجر والغمام والحجر والجن والبشر فكان قبل بعثته يلقى عليه السلام دون أن يرى إنسان يسمع من يقول ( السلام عليك يا رسول الله ) فكان يسمع ذلك كلما مر بشجر أو حجر أو أي كائن غير البشر , وكان جبريل عليه السلام يبادره بالسلام قبل بعثته فيسمع صوتا من السماء ولا يرى أحدا وبهذا تكون شهادة الملائكة والكائنات الحية والجماد له بالرسالة قبل بعثته فقد هيأ الله الكون مسبقا لبعثته بالرسالة.
محمد رسول الله الذي بشر برسالته الأنبياء والرسل فما من نبي إلا بشر به ولم يبشر بغيره وبهذا يكون الرسل عليهم السلام قد شهدوا له بالرسالة قبل أن يخلق , أوليس حق على كل أمة أن تتبع رسولها وتشهد برسالة محمد صلى الله عليه وسلم , ولكنه إنكار الجاحدين وظلم الحاقدين أدى بهم إلى تكذيب أنبياءهم بتكذيبهم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم , وقد توعد الله كل من كذب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالخلود في النار .
محمد رسول الله الذي عاداه قومه فأكرمهم وكذبوه فأوفى لهم وآذوه فصبر عليهم وشدوا عليه فرحمهم وطردوه فعفا عنهم , فكان أعظم خلق الله أخلاقا وأصفاهم نفسا وأوفاهم عهدا وأرحمهم قلبا , فكان ولا زال مثلا يقتدى به في التواضع عند الانتصار والعفو عند الاقتدار , فمن كمحمد في كرمه وخلقه ورحمته وصبره .
محمد رسول الله الذي جمع له أعظم جمع تشهده الأرض جمع ما كان لأحد قبله ولن يكون لأحد بعده وذلك حين أسري به إلى المسجد الأقصى ليكون للمرسلين إمام في صلاة كانت الأجل خشوعا لله لأنها صلاة اقتصرت على صفوة الخلق في الأرض هم الأنبياء والرسل يؤمهم خيرهم وأصفاهم محمد صلى الله عليه وسلم , فكانت لحظة هي الأنقى والأطهر لحظة جمعت خير خلق الله في وقت واحد ومكان واحد وإمام واحد , فما أبرك الوقت وما أطهر المكان وما أعظم الإمام , ليكون محمد بذلك سيد المرسلين وإمامهم فكل الأنبياء تبعوا محمد صلى الله عليه وسلم وشهدوا برسالته وآمنوا به وأتموا بصلاته , فحق واجب على الثقلين كافة أن يتبعوه ويشهدوا برسالته إن كانوا يؤمنون بأنبيائهم ويصدقونهم , فكل الأنبياء بعثوا خاصة لأقوامهم إلا محمد بعث كافة للعالمين بشير ونذير .
محمد رسول الله الذي أكرمه الله بنزول مكان لم ينزله أحد من خلق الله قبله أو بعده ذلك حين عرج به إلى السماء وتجاوز السماء تلو السماء وجبريل عليه السلام برفقته حتى وصلا إلى ما بعد السماء السابعة مكان تهلل بالنور الذي ليس كمثله نور ليتوقف جبريل عليه السلام وهو القوي الأمين عند هذا الحد فيعتب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التوقف المفاجئ فيرد عليه جبريل عليه السلام وقد اعتراه ما اعتراه من الشحوب والذبول خشية لله وخوفا منه حتى بدا لرسول الله كالخرقة البالية قائلا : والله لو تقدمت خطوة واحدة لاحترقت ,لكل منهم مقام معلوم , فلم يؤذن لجبريل عليه السلام بالتقدم خطوة واحدة أكثر مما بلغه , وكان الكرم العظيم من الله جل في علاه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يؤذن له ما لم يؤذن لغيره بالتقدم , ويتقدم حبيب الله بمفرده ليبلغ مكان ما بلغه أحد من خلق الله لا نبي مرسل ولا ملك مقرب وصل حبيب الله إلى سدرة المنتهى ورأى ما رأى على السدرة وما تغشاها من نور الله وهنا يكلم الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة كما كان يكلم موسى فجمع بذلك ما ورد في قوله تعالى { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم } فكل نبي استفرد بواحدة إلا محمد صلى الله عليه وسلم جمع بينها , فما أعظم ذلك الموقف الذي لم يتسنى لمخلوق غير محمد صلى الله عليه وسلم وهذا تفضيل من الله لحبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم و فمن ذا الذي بلغ أو سيبلغ ما بلغه محمد صلى الله عليه وسلم من مكانة عالية وتشريف عظيم .
محمد رسول الله صاحب اللواء يوم القيامة وصاحب الشفاعة العظمى التي يرغب عنها الأنبياء والرسل لتكون له دون سواه فهو الأجدر بها والأحق لأنه خير من يكون في ذلك المكان حيث أنه كان خير من كان في الدنيا وخير من يكون في الآخرة , فما كان الله ليرضاه لسواه وهو خير خلقه فكان شرف المقام لخير من صلى وصام ليخر ساجدا خير العباد لرب العباد لتنهال عليه من التسبيح والتحميد والثناء على الله ما لم يعطى في الدنيا ليكرمه الله ويأذن له بالشفاعة حتى يفصل رب العباد في محاسبة العباد , فمن لكم أيها الخلق غير محمد صلى الله عليه وسلم شافعا يوم القيامة , يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الشمس تدنو من الرؤوس وتحضر جهنم تستشيط غضبا لتجثوا الأمم على الركب فزعا وخوفا وذلا مما يرون فمن أعد لهذا اليوم العظيم عدته .
محمد رسول الله أول خلق الله عبورا للصراط وأولهم دخولا للجنة فلا يؤذن بفتح أبواب الجنة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون أول الداخلين ثم يدخل الأنبياء والمرسلين ومن يشاء الله له الدخول من عباده الصالحين الذين لم يشركوا به شيئا , وبتفضيل الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أول من يدخل الجنة دلالة عظمى على فضله عند ربه عن سائر خلقه , أبعد هذا شك في أن محمد صلى الله عليه وسلم خير خلق الله كلهم .
إنه محمد الهادي الأمين والسراج المنير سيد الأولين والآخرين الرحمة المهداة للعالمين حبيب الله وصفوة خلقه
فطبت حيا وميتا يا رسول الله ونشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده .
اللهم ارحمنا برحمتك وارزقنا شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا وارزقنا مرافقته في الجنة إنك سميع مجيب الدعاء
وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .